مدينة ماري

إن اكتشاف العديد من المواقع الأثرية في الجمهورية العربية السورية هو نتيجة الصدفة، مما يبرز ثراء البلاد بتاريخها العريق وجمال حاضرها. ويعكس ذلك رأي عالم الآثار الفرنسي أندريه بارو، عندما ذكر أن لكل إنسان وطنين: وطنه الأم وسوريا. ولم تكن بارو مخطئة، فما زال صدى الحضارات القديمة يتردد، مما جعلها مهد الحضارات والموطن الأول للإنسان.

الموقع الجغرافي

تقع آثار مدينة ماري في الجمهورية العربية السورية وتحديداً في موقع يعرف بتل الحريري والذي يقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات. وتبعد المدينة عن مدينة البوكمال الواقعة على الحدود السورية العراقية حوالي اثني عشر كيلومتراً. بينما تبعد عن مدينة دير الزور مئة وخمسة وعشرين كيلومتراً، وتتميز المنطقة بطبيعتها الزراعية، حيث يتدفق نهر الفرات من الموقع بثلاثة كيلومترات.

تنسيق الموقع

يتميز موقع آثار مدينة ماري بالشكل البيضاوي، وتمتد الجهة الشمالية منه لمسافة كيلومتر واحد، وتحيط به مجموعة من الأودية الصغيرة من الجهة الجنوبية الغربية. ويحتوي الموقع على تلال صغيرة تضم مرافق المدينة، بينما يقع الأكروبوليس على التلة الوسطى التي تعتبر الأعلى حيث يبلغ ارتفاعها نحو خمسة عشر مترا.

ويحيط بمدينة ماري صور لحمايتها، بالإضافة إلى وجود نهر الفرات في الجهة الشمالية الشرقية مما كان له الأثر الاقتصادي والدفاعي على المدينة.

تاريخ الاكتشاف

لم يتم اكتشاف مدينة ماري منذ القدم، بل في القرن العشرين، وتحديداً في أغسطس 1933 أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا. وقام بعض السكان بدفن أحد موتاهم على قمة تلة، وأثناء البحث عن شاهد قبر، تمكنوا من استخراج حجر كبير، ليكتشفوا أنه يمثل تمثالًا برأس مفقود. وقرر أحدهم إبلاغ الضابط الفرنسي كابان في مدينة البوكمال.

أبدى كابان اهتماما كبيرا بالأخبار، فتوجه مباشرة إلى الموقع ليكتشف أن الحجر يمثل شخصية شخص ذو جذع عاري ولا رأس، ويداه مقيدتان إلى صدره وجزءه السفلي مغطى بالقشور، مع والكتابة المسمارية فوقه.

ولم يتردد كابان في مساعدة الأهالي على رفع التمثال المدفون، حيث تم نقله إلى مدينة البوكمال، وأبلغ قياداتها بما تم اكتشافه، والذين بدورهم أبلغوا مديرية الآثار في بيروت، ليبدأ المفتش دي روترو رحلته إلى الموقع وكتب تقريره. وأخيراً تم نقل التمثال إلى مدينة دير الزور.

تم تعيين أندريه بارو من متحف اللوفر لتفقد التمثال وإبداء رأيه، مما أدى إلى تشكيل بعثة أثرية برئاسة هنري سيريج لاستكشاف المنطقة.

الاكتشافات الأثرية

ونجحت البعثة الأثرية في اكتشاف العديد من الآثار والتماثيل، تحتوي معظمها على كتابات مسمارية، ومن بينها تمثال يحمل اسم لامجي ماري. ومن أبرز هذه الاكتشافات معبد عشتار الذي يعود إلى عصر حمورابي. وبعد ثلاث سنوات تم اكتشاف القصر الملكي الذي يعتبر من أبرز المعالم المعمارية التي تعود للألفية الثانية قبل الميلاد.

كما تضمنت الاكتشافات رسومات جدارية ساهمت في فهم الحياة اليومية في مدينة ماري، وأنشطة سكانها، بالإضافة إلى الطقوس والمعتقدات الدينية. تم العثور على تمثال شهير لإلهة الينبوع، تم تقطيعه وإعادة تجميعه، ويظهر فيها وهي واقفة وتمسك بإناء، ولا يزال يعتبر رمزا لنهر الفرات.

وشملت الاكتشافات الأخرى العديد من المعابد مثل معبد نينيزازا ومعبد شمش، بالإضافة إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف نقش مكتوب بالخط المسماري، يروي تاريخ وحياة هذه المملكة العظيمة.